مسائل الرياضيات المفتوحة بلا حلٍّ | ma3rifa ma3rifa: مسائل الرياضيات المفتوحة بلا حلٍّ
Contact Us:

If You Have Any Problem, Wanna Help, Wanna Write Guest Post, Find Any Error Or Want To Give Us Feedback, Just Feel Free To Contact Us. We Will Reply You Soon.

Name: *


Email: *

Message: *


Skillblogger

الاثنين، 18 أغسطس 2014

مسائل الرياضيات المفتوحة بلا حلٍّ

نشر في مجلة القافلة عدد سبتمبر – اكتوبر 2010
يمكن تحميل نسخة المجلة الكاملة من هذا الرابط

مقدمة

نسمع عن مسائل في الرياضيات  ليس لها حل. ونسمع عن مسائل قد حلها عباقرة بعد أن كانت لا تحل لعقود من السنوات. ما هي حكاية المسائل التي ليس لها حل؟ ما أهمية كل هذا الصخب الذي شغل علماء الرياضيات والمهتمين بها؟ هل من الممكن فهم هذا الموضوع بيسر بعيداً عن تعقيدات المتخصصين؟

في هذه المقالة، سنتدرج في استيعاب الموضوع بالبدء بمعرفة طبيعة الرياضيات، ماهي وكيف نشـأت. ثم نتدرج في فهم طبيعة وجود مسائل لا حل لها عبر مسيرة الرياضيات، ونتجول مع نماذج ممتعة سهلة الفهم وننتقل إلى حال المسائل المفتوحة اليوم وما هي نتائج وجود أو عدم وجود حل لها على أرض الواقع.

في كتابه “من أين تأتي الرياضيات”، يقول جورج لاكوف أن الرياضيات: “ دقيقة، متسقة، ثابتة عبر الزمن وعبر المجتمعات الإنسانية، يمكن أن نجلها مرمّزة، قابلة للحساب ويمكن أن نستخرج منها التعميمات وهي متوفرة للجميع، منسجمة موضوعاتها مع بعضها وهي وسيلة فعالة للتوصيف والتوضيح والتنبؤ بكثير من جوانب حياتنا اليومية التي تشمل الرياضية والمباني والأعمال و العلوم والتقنية. ”

الرياضيات هي حقل واسع من الاهتمامات ندرس فيه خصائص  الأمور وكيف تتفاعل مع بعضها. لقد بدأت الرياضيات عندما اهتم الإنسان  بالعدّ والحساب وتطورت إلى مجموعات  من الأدوات والتصنيفات والمصطلحات التي تتراوح بين تلك التي في غاية التجريد وتلك الغاية الواقعية.  من العدّ  تدرج الإنسان إلى الحساب إلى القياس ثم اهتم بالأشكال وتشابهها ومساحاتها وملاحظة حركة الأجسام في الطبيعة. وتطورت حتى وصلتنا اليوم إلى علم يندرج تحته الكثير من الجالات الواسعة التي تجعل من مختص في أحدها لا يعرف شيئا ذا بال عن مجال آخر دون أدنى شعور بخجل. تتنوع مجالات الرياضيات بين الجبر والهندسة التحليلية والتكامل والتفاضل والقياس و نظرية الأشكال والشبكات. وتتنوع  الرياضيات بين نظرية الأعداد و نظرية المجموعات  والمنطق و نظرية الاحصاء و الأحتمالات؛ كل هذه تقع بين تلك المغرقة في التجريد و تلك التطبيقية.

يستل الرياضيون أفكارهم من الطبيعة والواقع، وقد تتطور هذه الأفكار لتتعالى في طبقات من التجريدية فيخترعون أنظمة تبنى على مسلّمات أولية، وعمليات وخصائص ثم يصنعون القوانين والنظريات ويستخرجون منها خصائص تترى واستنتاجات واكتشافات قد لا تكون خطرت لهم ببال أول الأمر. ولكي نذوق شيئاً من ذلك، لنأخذ مثالاً مجموعة من الألوان ولنتفرض أننا عندما ” نمزج” أي لونين معاً، سيخرج لنا لون هو أحد الألوان التي كانت في المجموعة الأساسية. لو “مزجنا” اللون الأصفر مع الأزرق معاً فسنحصل على اللون الأخضر، الذي هو لون من ألوان المجموعة. هل لو بدلنا ترتيب المزج سيغير ذلك من النتيجة؟ لو مزجنا الأزرق والأصفر، فسنحصل على نفس اللون في حالة المزج الأولى، اللون الأخضر ثانية، وهو لون من ألوان المجموعة.

عالِم الرياضيات عندما يدرس مثل هذا المثال، فإنه يحاول أن يلاحظ مجموعة من الخصائص لعملية المزج هذه، و للألوان والنتائج ويخرج بتعميمات وتجريد يخلص به إلى فكرة مجردة يمكن أن تفيد في مجالات أخرى كثيرة. يستطيع الرياضي الذي يدرس مثل هذا المثال أن يلاحظ مثلا، أنه مهما مزج من ألوان، فإنه لا يخرج عن مجموعة الألوان الأولى التي عنده. هذه اسمها “خاصية الإغلاق”. هناك خاصية التبادل التي لاحظناها عندما بادلنا بين البدء بالأزرق ثم الأصفر أو العكس. لم يغير ذلك شيئا من النتيجة. يستطيع الرياضي أن يجرب أن يقوم بعملية بين لونين ثم يأخذ النتيجة ويمزجها بلون آخر. وسيلاحظ أن ذلك يحافظ على خاصية الإغلاق.

إن ملاحظات كهذه في مثال الألوان والأرقام وكل ما حولنا من أشياء وأمور، فتحت مجالاً واسعاً في مجال الجبر، وسّعَ َالجبر من عمليات تجرى على الأرقام إلى عمليات تجرى على موضوعات كثيرة وجديدة وتؤدي لاكتشافات مدهشة. إن هذا المجال الذي ذكرنا يطلق عليه اسم مجال البنى الجبرية والذي يضم كثيراً من البنى المفيدة مثل الزمر والمجموعات والحقول والحلقات ولها تطبيقاتها في العلم والتكنولوجيا وجوانب الحياة اليومية.

حكاية المسائل التي لا تحل؟

تمثال اقليدس - ويكيبيدياكيف يمكن أن توجد مسألة بلا حل؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرك أن العلماء حين يطرحون مسألة ما للنقاش فإنهم مطالبون بحلها وفق التصورات المثبتة لشكل العالم والكون من حولهم. وهذه التصورات خاضعة للتغير بدورها. على سبيل المثال فإن البشرية كانت مُلزَمة بالتصور الذي وضعه (أرسطو) وفلاسفة الإغريق بأن الأرض هي مركز الكون. ولم يتغير هذا التصور في العقل الأوروبي حتى القرن السابع عشر الميلادي حين دافع (جاليليو) عن نظريات (كوبرينيكوس) القائلة بدوران الأرض حول الشمس. الإثبات العلمي لهذه الفكرة قاد لفتوح علمية عدة بخصوص الكثير من المستغلقات! هناك أيضاً (أقلديس) وكتابه ” العناصر” الذي وضعه في حدود الثلاثمائة سنة قبل الميلاد. ويعتبر من الأعمال المبكرة في الرياضيات التي بنيت بصرامة علمية. كان أقليدس قد وضع مجموعة
من الفرضيات أسست لكل ما في هندسة الاقليدية بالبرهان وظلت تدرس حتى بدايات القرن العشرين دون أن يتمكن أحد من الإتيان ببديل. لقد أسست كتب اقلديس الثلاثة عشر  أصول الرياضيات التي بنت كثيراً من النظريات وأسست للكثير من المعارف. لم يكن يطلق على الهندسة الرياضية غير اسم “الهندسة” طيلة ألفي عام. لقد احتجنا ألفي عام لكي نتوصل إلى هندسة (لا إقليدية) !



الفرضية الخامسة في الهندسة الاقليدية تقول أنه لو وجد خط مستقيم في سطح ثنائي الأبعاد، و وجدت نقطة خارج المسقيم، فليس هنا إلا خط مستقيم واحد آخر يمكن أن يمر في النقطة هذه ولا يقطع المستقيم الأول. لقد كانت هذه الفرضية لا يمكن أن تكون خاطئة طيلة ألفي عام. لقد خطر ببال ريمان، أن يجرب سطحاً مثل سطح الكرة الأرضية. إن هذا النموذج من الأسطح، لا يسمح في فرضية اقليدس هذه بأي خط مستقيم مواز للأول. أما إذا تصورنا سطحاً مشابهاً لشرائح  بطاطا (برينجلز) مثلا  فإنه  بالإمكان رسم عدد لا نهائي من الخطوط المستقيمة الموازية للأول، تمر في تلك النقطة ولا تتقاطع معه. لقد احتجنا ألفي عام كي نخرج من أسر هندسة إقلديس الى عالم جديد من الهندسة اللااقليدية.

فرضية التوازي - ويكيبيديا

توضيح للفرضية الخامسة عند إقليدس


 ديفيد هلبرت

عام 1900م  وقف في باريس ديفيد هلبرت، عالم الرياضيات الألماني و طرح ثلاثة وعشرين مسألة غير محلولة. لقد طلب هلبرت من العلماء أن يتقدموا بحلول لهذه المسائل من أجل الانتقال بالرياضيات إلى عوالم جديدة و تنوعت هذه المسائل في المجالات.  حظيت هذه المسائل باهتمام بالغ ولقيت بعضها حلاً، بينما لم يحالف الحظ الرياضيين في مسائل أخرى.  وفي عام 1912، قدم لاندو أربع مسائل تتطلب حلاً. وبعد مئة عام مرت على مسائل هلبرت، تقدم سميل بـثماني عشرة مسألة أخرى. و خصص معهد (كليه – Clay) للرياضيات جائزة مليون دولار أمريكي لمجموعة من سبعة مسائل رياضية مستحيلة تنتظر حلاً .. حلت واحدة منها فقط في عام 2006!

لكن، كيف تظهر هذه المشكلات في الرياضيات؟

من طبيعة علماء الرياضيات أنهم يتتبعون ويرصدون الخصائص والميزات، يقارنون ويلاحظون ويستكشفون الأنماط وأوجه الشبه والاختلاف ويركبون ما يستطيعون من موضوعات مع موضوعات أخرى. طبيعة الرياضيات أيضاً، ترابط موضوعاتها معا وتنقل الاهتمام بين التجريد العالي إلى الرياضيات التطبيقية. ثم زيادة على هذا، فإن علماء الرياضيات لا يفضلون الحساب الميكانيكي المكرر ولا أي عملية تجلب الملل. إنهم إذا أرادوا القيام بحساب مثلا، يتفادون ما استطاعوا الحساب بطريقة تقليدية، ويستخدمون كالسحرة أساليب وتقنيات جديدة ويخترعون نظريات وطرقاً لعمل ذلك أسرع وأكثر فعالية. إنهم بطبيعتهم كعلماء لا يرضيهم ما بين أيديهم. إن ملاحظتهم وعملهم الدؤوب يولد الكثير من الملاحظات والاستكشافات والمزيد من الشك في بنى الرياضيات التي أسسهوها على البرهان ويبحثون عن أسئلة جديدة. هكذا تتولد أسئلة ومشكلات تكون شغلهم الشاغل حتى تحل وتستكشف بعدها أراض لم يكونوا وصلوا لها من قبل. إنهم أكثر من ذلك، قد يفنون حياتهم ويدفعون كل ما لديهم من أجل أن يأتي يوم يرون فيه حلاً لمسألة ظلت عصية عليهم عقوداً من الزمن. ومن نافلة الذكر أن تطور التقنيات الحاسوبية منذ منتصف القرن العشرين قد قدم للعلماء الرياضيين أساليب ثورية في حل المعضلات، ووتحداهم في الوقت ذاته بأسلوب أكثر حداثة لاختلاق أسئلة وتصورات أعصى على الحل!

لنتابع ونقترب من بعض هذه المسائل المفتوحة غير المحلولة ونحاول أن نستوعبها ببساطة ونرى ماذا يمكن أن يحدث لو تم لم يتم حلها. سنتناول مسألتين،  الأولى رياضية تتعلق بعلم الحاسبوب وإيجاد الحلول وتعرف باسم P مقابلNP. أما الأخرى فهي مسألة اثبات فرضية ريمان. سنناقش الأولى ثم الثانية ونتعرف إلى طبيعتهما و تبعاتهما.

مسألة  P مقابل NP


في العلم الحاسوبي يوجد شيء اسمه (الزمن الخطّي – Polynomial Time) أو P-Time اختصاراً، وهو مبدأ معقد يمكن تبسيطه بتصور الزمن الذي يلزمنا لنمُر على الأعداد من ١ إلى عشرة.. نحن سنمر عليها بالتسلسل. ولآن لنتصور زمنًا هو مضاعف لهذا الزمن الخطي: مربع الزمن الخطي، أو الجذر التكعيبي للزمن الخطي. هذا الزمن المفترض في علم الرياضيات هو زمن لا-خطي : Non-Polynomial أو NP اختصاراً.

المسألة المتعلقة حديثة العهد نسبياً قدمها عالم الحاسوب ستيفن كوك عام 1971م، وتتعلق بإيجاد حلول برمجية – خوارزميات- لحل المعضلات الرياضية. فنحن نكتب للحاسوب برامج على هيئة خطوات متسلسلة تصل في النهاية  إلى ناتج هو حل للمسألة. لكن هناك مسائل أعقد من من غيرها. بعض هذه المسائل قد لا يكون لها حل، وبعضها قد يكون لها حل لكن ليس في وقت خطّي أو معقول. هذا يعني أننا  نكتب للمشكلات البسيطة برامج تنتهي في وقت معقول وتصل بنا للنتيجة الحسابية. في الرياضايات فإن الوقت المستغرق لحل مشكلة بشكل “معقول” لا يتجاوز حل معادلة كثيرة الحدود ذات مجهول واحد س.

إن في عالم الحاسوب مسائل يصعب حلها في وقت خطي. فمثلا، إذا كان لدينا مجموعة مكونة من الأعداد 10 و 5  و -2 و -7 و 3 و 6، فهل هناك مجموعة نتجزؤها من هذه المجموعة ويكون  مجموع عناصرها يساوي صفراً؟ الجواب نعم. يمكن أن نختار مجموعة جزئية منها مكونة من -2 و -7 و 3 و 6. إن مجموع هذه الأعداد المختارة يساوي صفراً. لكن إيجاد  برنامج لحل مثل هذه المسألة لن يعمل على الأقرب لحلها في وقت معقول وخصوصاً إذا كان حجم المجموعة الكليّة المعطاة ضخماً.

ما هي المسألة P مثابل NP إذن؟ القسم P من المسألة يقول أننا قد نستطيع أن نتحقق وجود حل للمسألة في وقت معقول. أما القسم NP فيقول أن الحل للمسألة يتنفذ في وقت غير معقول. بمعنى آخر، هل أن المسائل التي يستغرق التحقق من وجود حل لها في وقت معقول، يستغرق تنفيذ حلها وقتاً معقولا أيضاً؟

هذه المسألة لم يستطع الرياضيون ولا علماء الحاسوب أن يوجدوا لها برهاناً. وهي مسألة من مسائل معهد (كليه) للرياضيات. لقد تقدم فايني دولاليكار من معهد اتش بي للأبحاث ببرهان بداية شهر أغسطس 2010 وكان خبراً مدوياً في الأوساط العلمية بالإضافة إلى أن فايني سيحظى بعد شرف هذا البرهان المرتجى، بمليون دولار أمريكي. لكن السرور لم يتم، إذ ما إن خرج البرهان مفصلاً في الانترنت و وصل إلى أيدي المهتمين، حتى تبين لهم أن فيه أخطاءاً وزلات فتم رفضه.

إن التوصل إلى برهان يثبت أو ينفي علاقة P بـ NP، سوف يغير كثيراً من القناعات في مجال الحاسوب. وإذا أمكن البرهنة على  توفر حلول ذات وقت معقول للمشاكل من فئة NP، حصل تقدم في حل مشكلات شبيهة بمشكلة المجموعة الجزئية المذكورة أعلاه، مثل مشكلة (التاجر الرحّال) وبعض مشكلات فك تشفير الحماية السرية في الانترنت و مشكلة التنبؤ ببنية البروتين التي قد تحدث تقدماً كبيراً في علم البيولوجيا.  أما إذا لم يتم ذلك، فسوف يذهب بالأمل في وجود حلول ذات وقت معقول لتلك المشكلات وسيكون خبراً محبطاً لعلماء الحاسوب وسيكون مخرجهم الوحيد هو تطوير حواسيب ذات قدرات معالجة  متقدمة جداً لتقليل الوقت الذي يحتاجه الحاسوب لتنفيذ برامج مقعدة الخوارزميات من أجل تقليل والوقت والوصول للنتائج.

ستيفن كوك
يقول صاحب المسألة غير المحلولة، ستيفن كوك:

“ستكون نقلة للرياضيات إذ أنها ستجعل الحاسوب قادراً على إيجاد برهان لكل نظرية ذات برهان معقول الطول وذلك لأن كل برهان دقيق يمكن إيجاده في وقت معقول. إن من ضمن هذه المشكلات مسائل جوائز معهد كليه الرياضيات”.

مسألة فرضية ريمان



أما هذه المسألة فتعتبر من أعظم المسائل وأقدمها و يقدم العلماء حياتهم ويدفعون غالي الثمن ليروها يوماً قد حُلّت. إنها  من أصعب الفرضيات التي استعصت على توفر برهان لها. إنها  فرضية ريمان Riemann hypothesis التي كان قدمها عام 1859م في نفس العام الذي قدم داروين نظرتيه عن النشوء والارتقاء. مئة وخمسون عاماً ولم يتقدم أحد ببرهان على فرضية  من ضمن نتائجها  أن تحدد لنا كيف تتوزع الأعداد الاولية في عالم الأرقام.

ريمان - ويكيبيديا

قبل أن نقترب من هذه الفرضية وخطورتها، لنحاول فهم الأساسيات. العدد الأولي في الرياضيات هو العدد الذي لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على الواحد، مثل الأعداد 1 و 2 و3 و 5 و7 و 11 وهكذا. هذه الأعداد لها كثير من الخصائص المميزة عدا ما ذكرنا من خاصية قبول القسمة. لم يعرف علماء الرياضيات طريقة يستطيعون من خلالها معرفة توزيع الأعداد الطبيعية وطريقة استخراجها سوى ما قدمه ريمان من فرضية ليس عليها برهان. إن الأعداد الاولية ليس لها نظام يحدد كيف تتوزع في خط الأعداد. لكن ريمان قدم دالة أطلق عليها اسم زيتا، كانت استخرجت عددا كبيراً من الأعداد الاولية ورسمتها على خط عمودي ثابت.

ما قدمه ريمان  هو دالة أطلق عليها اسم زيتا و قد صمم زيتا هذه بحيث أنه كلما أدخل رقماً أولياً إليها،كان جواب الدالة صفراً.  والدالة د(س) = س -1  تكون صفراً عندما نعوض عن س بالعدد 1 و نقول في هذه الحالة أن 1 هو صفر لهذه الدالة. لقد تم استخراج حلول لدالة ريمان بما يساوي مليار وخمسائة مليون صفر. والمقصود بذلك، أنه  تم حتى اليوم استخراج هذا العدد من الأعداد الاولية ولكن ليس هناك برهان على أن هذه الدالة ستعمل لكل الأعداد الأولية في خط الأعداد اللانهائي. إن هذه الدالة زيتا ليست مختصة بالأعداد الأولية وحسب. إنها تستخرج دائماً أعداداً مركبة من جزئين حقيقي وتخيلي. ومن عجائبها أن العدد الحقيقي عندما تكون صفراً هو دائما نصف (1/2) .

المشكلة أننا في العلم الطبيعي،  والرياضيات أنقى درجات العلم، لا يمكن أن نصدق بمقولة أو فرضية حتى نبرهن عليها. فتكرار نجاح تجربة ما عدداً كبيراً من المرات، لا يعني بحال من الأحوال صدقها مطلقاً وأبدا، وخلل واحد في أو تجربة تخرج بنتيجة غير متوقعة واحدة، سينسف كل شئ. وفي الرياضيات، لا يمكن قبول المقولات والفرضيات ولا تصل لمرحلة نطلق عليها اسم النظرية حتى نقدم على ذلك برهانا قاطعا.

حتى  اليوم، لم يخرج برهان على صدق فرضية ريمان. أحد التحديات السبع التي شهرها معهد كليه في وجه العالم منذ عام 2000 مقابل مليون دولار أمريكي لمن يقدم برهاناً على صدق فرضية ريمان التي بقيت  أعجوبة عبقرية طيلة 150 عاماً وتعتبر من أعقد المسائل المفتوحة في الرياضيات التي لم تلق حلا حتى الآن.

بالإضافة لكون هذه المسألة، من مسائل معهد كليه ذات الأولوية والأهمية، فإن مسألة إثباتها كانت المسألة الثامنة في قائمة هلبرت. إن البرهنة على صدق هذه النظرية سيكشف لنا توزيع الأعداد الأولية التي هي حجر الأساس للأعداد والتي يمكن لنا أن نحلل كل عدد إلى أعداده الأولية. إنها ستكشف لنا عن مساحات الفراغ بين كل عدد أولي وآخر. إن هناك من يربط نتائج إثبات هذه الفرضية بتطورات في فيزياء الكم وأخطاراً على أمان الانترنت واكتشاف وسائل التعمية والترميز في صناعة المفاتيح.

لكن، يبدو أن فرضية ريمان هذه صعبة النقض حسب تصور كثير من العلماء وإنها لتعمل بشكل غريب ومدهش. لقد سأل أحدهم ديفيد هلبرت في آخر أيامه عن ما يريد أن يكون أو سؤال يسأله  لو عاد للحياة بعد خمسمائة عام، فرد قائلا: “هل أثبت أحد فرضية ريمان؟”. لقد عاش ريمان أربعين عاماً وحسب، وبضع الورقات التي نشرها في الرياضيات غيره وجهها إلى الأبد. كان هذه إحدى جنباتها وجانبها الأخر كان التمهيد لنظرية آينشتاين في نسبتيه العامة بخصوص ما تحدثنا عنه في الهندسة اللا إقليدية والخطوط المتوازية. إن ستيفن هوكنغ ليحدس أنه بعد كل هذه السنوات المائة والخمسين التي لم يحظ أحد ببرهان على هذه الفرضية العجيبة، ربما وجد حلها في أوراق ريمان التي أنقذتها زوجته من الحرق بعد وفاته، وقد تكون تخطيطات على ورقة من أوراقه إشارة لهذا البرهان المفقود.

هل حدث أن حلت بعض المسائل المفتوحة؟

أصول الرياضيات - ويكيبيديا


لقد تمكن عدد من علماء الرياضيات من عدد من هذه المسائل المفتوحة على مر السنوات. ونذكر حكاية بيرلمان، الرياضي الروسي الذي رفض المليون دولار أمريكي جزاء اثباته حدسية بونكاريه الشهيرة التي ظلت بلا برهان لقرن من الزمان. وتم حل مسائل أخرى من ضمن المسائل المفتوحة، فتحت آفاقاً جديدة وأمالاً وحركت عزائم علماء الرياضيات لبذل المزيد من الجهد وتوسيع الخيال والإمكاينات.

كان برتراند راسل و وايتهيد في وقت قريب من طرح هلبرت للمسائل المفتوحة عام 1900، قد طرحا كتابها “أصول الرياضيات”، كان الهدف منه مراجعة كل الرياضيات وتأسيسه مجدداً بأسس أكثر صرامة مبنية على المنطق و البرهان حتى لأنك تجد برهاناً لـ 1+1 =2 في صفحات مفصلة! لقد كشف عمل راسل و وايتهيد أن هناك كثير من الثغرات والمتناقضات وقد قدم راسل حلا لبعض ما اكتشف من متناقضات. وعندما تقدم كرت جودل لمسائل هلبرت وكانت بين يديه نسخة من كتاب راسل ووايتهيد، ضرب اليقين الذي كانت عليه الرياضيات وتحولت إلى أرضية مهزوزة. كان جودل يريد أن يساعد في حل المسائل فحل واحدة وانقلب في الثانية ليثبت أن أي نظام رياضي هو غير كامل وغير متسق هكذا كقانون عام قدم عليه البرهان. إن ذلك دفع بعلماء الرياضيات إلى التفكير في بناء أرضية أكثر ثباتاً ورسوّا مما كانت عليه الرياضيات طيلة هذه القرون وبعد كل هذا الثراء في الفكر الإنساني رياضياً وعلمياً وفلسفياً.

إن طبيعة الرياضيات تتمايز عن طبيعة العلوم الطبيعية الاخرى في كونها علماً متراكم المعارف، يبنى جديد الأفكار فيها على ما تم اثباته مقدماً. وإذا صنعنا بعد الملاحظة والدراسة نظاماً جديداً، فيجب أن نسلم بفرضية دون مبررات ولا نفترض صحة فكرة هكذا ابتداء.  إن المنهج العلمي لهو أس بارز في تأسيس الفكر الرياضي ويكون في أقصى درجات الأناقة والتصميم. ميزة اخرى من ميزات الرياضيات هي أن موضوعاتها ومجالاتها تترابط فيما بينها برباط ينسجها مهما بعدت عن بعضها. وزيادة على ذلك، فإن هذه المجالات والموضوعات قد نركبها كعناصر نجري عليها عمليات أعلى فتصبح رياضيات جديدة عليها تعمل على رياضيات تحتها.  لن يكون ذلك بالطبع ترفاً فكراً ولا صراعاً على ورق. إنه عالم عجيب من أرقى ما ينتج الفكر الإنساني ويعود عليه بانعكاسات على الواقع في فهم هذا العالم من حولنا واختراع التسهيلات وتسخير التكنولوجيا التي لم تكن ممكنة بدونها. إن أقصى طموحات العلوم الطبيعية المتقدمة التي تفيد من الرياضيات، أن تصل في التنظري إلى درجة عليا من الأناقة.

لقد كانت النسبية ستكتشف قبل أن يكتشفها آينشتاين بأربعين سنة وقد كان ريمان قدم لها قواعدها الراسخة يوم أن قدم فكرة نموذج للهندسة اللا إقلديدية. واليوم بعد هذا، يلتقي الفيزيائيون بالرياضيين الذين خدموهم كثيراً فأسسوا فيزياء جديدة، ويقترح آينشتاين في تقديم حلول لمعضلات في نظرية الأعداد وآخرون يفكرون في حلول لمسألة فرضية ريمان فيما يتعلق بالأعداد الأولية و علاقتها بمستويات الطاقة في الذرات في عالم فيزياء الكم.

رأينا كيف بدأت الرياضيات، ولمحنا سريعاً كيف تأتي وكيف تخترع بكل هذه الأناقة وكيف يستفاد منها في مجالاتها المتنوعة باختلاف درجة تجريد أفكارها وقربها من التطبيقي. لقد استغرقنا 2000 عاماً لكي ندرك أن الهندسة الإقليدية ليست كل شئ وأن هناك غيرها لم نتصوره. وكم تصورنا ونحن نحدّ عدد المسائل والمعضلات بعدد، أننا قاربنا من توحيد صيغة واحدة تجعل من الرياضيات حقلاً مترابط بشكل تام، فوجدنا أن ذلك نذير خطر بهدم أساس هنا وأساس هناك وربما نسف كل جهد الإنسانية هذا ليتطلب منا إعادة بناء كل شئ من جديد.  لم تكن الرياضيات في هدوء منذ نشأتها، بل إن في مسائلها المفتوحة ما ظل مفتوحاً لقرون لم تحل. وبعيداً عن هذه المسائل المفتوحة، ظلت الرياضيات تلمع وتلوح أنيقة صارمة من الخارج وهي تغلي و تموج من الداخل في حال التأسيس والمراجعة، ُيشعِل من أجيج نيراها بنُوها من العلماء، وفاءً لها منهم وحباً. بقي أن عجلة تقدم هذه الرياضيات رهينة باتساع معرفة علمائها و جلدهم وقدرتهم على الصبر وسعة الخيال وإصرارهم على فتح مسائل جديدة ولو اضطرهم ذلك للعودة إلى أقصى البدايات.

مصادر:

1.                   http://www.claymath.org

2.                   http://en.wikipedia.org/wiki/Mathematics

3.                   http://mathworld.wolfram.com/

4.                   http://www.openquestions.com/oq-math.htm

5.                   God Created the Integers, Stephen Hawking

6.                   http://seedmagazine.com/content/article/prime_numbers_get_hitched

7.                   فاضل التركي http://www.doroob.com/
هل اعجبك الموضوع ؟ شاركه مع اصدقائك

Team SB
كاتب الموضوع : 4alma3rifa

0 التعليقات:

POST A COMMENT

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

 

صفحة الفايس بوك

اعلانات

مدونة المبدع

Instagram
مدونةالمبدعتعريب وتطوير وتعديل :
تصميم :مدونة المبدع